المتابعون

الأربعاء، 29 يوليو 2015

المجتمع ذلك المجرم !!




بقلم \ ميادة مدحت

تبدأ حياتك بعقل يقظ وقلب مرهف .. عيناك فيهما بريق الدهشة وحب المعرفة .. الأصل فى الأشياء الحب .. تحب أهلك وبيتك وجيرانك وأصدقاءك ربما تكون سعيد الحظ فتقضى طفولة رائعة خالية من المتاعب والألم ولكن مهما كانت طفولتك سعيدة لن تتجاوز أبدا مرحلة المراهقة دون أن تتعرف إلى الضيف الجديد الذى سيلازمك ما تبقى من عمرك .. القهر . إن كنتِ أنثى ربما تتعرفين إليه منذ الطفولة .


خياراتك الصغيرة – لو تركوك تختار – ستصبح مثار سخرية وانتقاد من الكبار سيتولد داخلك بالتدريج  شعور بعدم الكفاءة وبأنك ناقص الأهلية وفى احتياج دائم لكبير ينصح لك ويشير عليك .. ستعرف القهر على يد الوالد المتطرف الذى يرغمك على الصلاة ويضربك عليها وأنت بعد فى العاشرة وربما أصغر . أو أنك ستجد نفسك مرغمًا على كتمان آلامك أثناء إصابتك بالحصبة وأنت فى الثامنة من عمرك فالرجال لا يبكون! ومع الوقت ستكتم أيضا مشاعرك وسترى أن التعبير عن حبك أمام أى فتاة هو محض ضعف ولكنك أيضا ستعرف كيف تفتعل أكاذيب العشق لتوقع فتاة تلو الأخرى فى حبائلك  فالاعتراف الكاذب بحب غير موجود لا يضير كرامتك.. ستتحول مع الوقت إلى منافق وكذاب وهاتك أعراض وستبرر لك أمك أن الرجل لا يعيبه إلا جيبه !


أما أنتِ أيتها المسكينة ستعرفين منذ الصغر كيف تحترفين الكذب بدءً من مساحيق التجميل التى تغير معالم  وجهك مرورًا بتزلفك إلى طنط فلانة وطنط علانة لكى تربى سمعة أنك فتاة لطيفة ومطيعة . وحسبما مالت ريح  أهلك سيتوجه شراعك فإما تغطين جسدك وشعرك وربما وجهك أيضًا لتصبحى ابنة شرعية لبيت مسلم محافظ ينتمى إلى الطبقة الفقيرة أو المتوسطة ، وإما أن ترتدى البكينى – حتى وإن كنتى تخجلين من ارتدائه – لتليقى بمكانتك كابنة السفير فلان أو رجل الأعمال علان بين قريناتك على شواطىء سيدى عبد الرحمن!


تبدأ مراهقتك بحلم البطولة وبأن تصبح قدوة ومثلا أعلى لغيرك ؟ ولكن الحال تنتهى بك إلى مرافئ الفشل والعجز وخيبة الأمل . الأسرة ستقهرك والأصدقاء سيبتزونك دومًا لتثبت لهم أنك رجل .. الجنس الآخر سيحاكمك ويحكم عليك طبقا لمعايير دقيقة وضعها المجتمع .. المجتمع ذلك المجرم!!


وفجأة ستجد نفسك فى منتصف العمر كالذى أصابه فقدان الذاكرة فلن تعرف متى وأين فقدت مبادئك وتحولت من شخص مثالى حالم رومانسى صادق وشجاع إلى كيان مبتسر محطم ليس لديه مبدأ يدافع عنه ولا قيمة يؤمن بها ولا قضية يحيا من أجلها .  لم تعد نفسك تأبى المهانة إن كانت سبيلاً إلى مكسب أو منفعة ولن تعد تأنف الكذب مادام قد أثبت أنه منجاة لك فى كل محنة يحيكها هذا الزمن فقد ولى زمان كان فيه الصدق منجاة.  


ستعرفين أن أنوثتك لابد أن تستغل فالله لم يعطها لك إلا كمصدر رزق اطمسيها تماما خلف أسوار التشدد أو انتهكيها بشدة على أعتاب الرجال – المهمين منهم على وجه الخصوص- فى الحالتين ستجدى لك أهلا وعشيرة وسند وستمتلكين القوة والنفوذ . نافقى واكذبى قدر المستطاع فالنفاق خلق كريم يجب أن تتحلى به بنات الأسر الكريمة. حب وتذكرى دائما الصراحة وقاحة والحب خطيئة والقرش يصنع لصاحبه قيمة!


نبدأ حياتنا كبراعم صغيرة يصلح البرعم منها إذا تفتح فى جو صحى أن يصير قدوة ومثلاُ أعلى ولكن المجتمع -  هذا المجرم – يسقينا ماءه الملوث ويحجب عنا شمس الحرية فينتهى بنا الحال وقد صرنا نباتات بلا جذور وكأننا شجر الزقوم ونصبح مجرد عبرة لمن يعتبر .      


    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق