المتابعون

الثلاثاء، 11 فبراير 2014

معالى الشهيد



معالى الشهيد


بقلم \ ميادة مدحت

 


الدم كله حرام ..شعار لم يعد يعجب الكثيرين لأن دم الإخوان حلال على اعتبار أنهم خونة ودم مناصريهم حلال ثم إن دم من يصرخون لحقن الدماء أيضا أصبح حلالا طيبا ! ثم أن الدماء الميرى لم تعد فقط حراما ولكنها صارت دماءً مقدسة .. صار العسكريون وحدهم الشرفاء والأقوياء و..الشهداء.  ولأن الوضع بات غريبا ولأنى ممن يؤمنون بحرمة الدم بغض النظر عن هوية صاحب العروق التى تحمله ولأن حالة ما من فقدان الذاكرة الجماعى قد أصابت الشعب فقد وجب على التذكير بحقائق لا يصح أن تغيب عنا ونحن نبكى العسكر ونلعن الأخوان 

هل كان أحدنا – ثوار يناير- يتصور يومًا أن الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورتنا سيحضره القتلة فى الصفوف الأولى ؟ وأنهم سيغنون فوق المسرح للشهداء وخلفهم صور ضباط الجيش والشرطة؟ وأنهم سيهتفون بأن تسلم الأيادى رغم أن هذه الأيادى ملطخة بالدماء؟ قبل أن أسهب أوجه خالص عزائى وأسفى لكل أسرة فقدت عزيزًا لديها سواء كان مدنيا أم عسكريا وسأحاول قدر الإمكان ألا أتعرض لأسماء بعينها ولكن لابد أن ننكأ الجرح لنرى إن كان قابلا للعلاج أم أن أوان التعافى قد فات


-         معالى الشهيد فلان الفلانى .. ضابط  أمن الدولة البارع فى عمله ضد النشاط الأصولى الذى كنا نواجهه بالقلم وبالفكر وبالتنوير وكان هو ورفاقه يواجهونه بالأسلوب الذى رأوا أنه الأفضل.. اعتقل ..ارهب .. عذب .. اغتصب .. إن لم تفلح كل الخطوات الماضية .. اقتل يا فندم ! وكلنا فداء للوطن حقا والتيارات الأصولية كالسرطان ينهش فى جسد التنوير والحداثة  بالطبع، ولكن ما حدث من مواجهة أمنية بحته لم يقض على السرطان ولم ينقذ جسد الوطن من التعفن تحت ركام زمن سحيق تختلف معاييره عن معاييرنا وظروفه عن ظروفنا .. وزاد التعاطف الشعبى مع دعاة الرجعية حتى وصلوا إلى الحكم .


 فى يوم من الأيام قتل معاليه أحدهم أو اغتصب إحداهن وتصادف أن كان له أو لها ولد أقسم على الانتقام . فى صباح أحد الأيام قتل معالى الشهيد برصاص هذا الذى كان فى يوم من الأيام ولد .. مجرد ولد .


سيادة الشهيد فلان العلانى .. كنت رجلا فى موقعك الميدانى تصول وتجول ساهمت فى فض مئات المظاهرات واتخذت من المتظاهرات سبايا لك ولجنودك ثم أنك قتلت من قتلت وضربت من ضربت .. وفى يوم موعود شاركت فى موقعة فض اعتصام رابعة والنهضة لم يكن يهم كم منهم تقتل فهم إرهابيون ونحن نصدق أنهم إرهابيون ومتطرفون أو على الأقل مغيبون ومخدوعون ولكن عزيزى الشهيد هل فكرت لحظة أن هذا القتيل أو تلك المنحورة لهم أطفال وأن هذا الطفل – إن لم يكن قتل مع والديه- سيعيش عمره معذبا على أمل الانتقام من معاليك يومًا ما .. كم طفلا يتمت وكم امرأة رملت قبل أن تهرول إلى أحضان زوجتك وأطفالك ؟ وكيف تنظر فى عينى طفلك أو طفلتك وعيونك تشهد عليك أنك قاتلُ ؟ لقد قتلوك ومن قتلوك مجرمون لا شك عندى فى ذلك ولكن قتلت بذنب من قتلتهم ومن قتل يقتل ولو بعد حين.


-         سيادة الشهيد .. كان الزي الميرى الذي ترتديه مصدر فخر واطمئنان يثير بداخلنا ذكريات النصر المؤزر والعبور العظيم ثم أننا وبعد أكتوبر 2011 اختلط علينا الأمر كلما ذكرت كلمة العبور فلم نعد نعرف أى عبور يقصد المتحدث عبور دباباتنا خط بارليف المنيع أم عبورها فوق أجساد مواطنين مصريين مسيحيين اختلفنا مع بعضهم ولكن هل كان الموت دهسًا هو الحل الوحيد للتفاهم معهم؟  

 معالى الشهيد .. كم أقدر حزن أهلك عليك واعتقادهم أو توهمهم أنك عشت بطلا ومت شهيدا .. لقد حزنت عليك وعلى زملائك كما حزنت على من قتل فى رابعة والنهضة ليس لأن أحدكما  على الحق بل كليكما على باطل وكليكما لم ير إلا مصلحة جماعته أو فئته .. كليكما قتل – بفتح القاف- فقتل بضمها ! وإنما حزنت عليكما لأن أحدكما قد يكون أخى أوجارى أو زميلى .


قد تتساءل لماذا إذن اخترتك أنت لأخاطبك بهذه القسوة، ربما لأنك فجأة صرت تتصدر المشهد ولأن دمك صار مقدسا وصورتك صارت مقررة علينا صباحا مساءً . ربما لأن بعض الأشرار أرادوا شرا بهذا الوطن ففرقونا شيعا قسم فى النار وقسم فى الجنة .. هؤلاء وطنيون وهؤلاء خونة. معالى الشهيد الذى قتله من يعتقد أن ذلك سيدخله الجنة .. إن دمك ليس أغلى من دم من قتلتهم من قبل ولن يكون للدم كرامة ولا حرمة فى هذا الوطن إلا إن تساوت الدماء إخوانية وعلمانية .. مدنية أو عسكرية. لقد حزنت عليك ولكنك لست أغلى من غيرك ولا أعلى، وليس أعلى منك إلا ضابطا مات على الحدود فى مواجهة إسرائيل أو آخر مات وهو ينقذ فتاة من الاغتصاب أو فى مواجهة مع تجار المخدرات .. قل لزملائك الذين لم يقتلوا بعد أن من يفجرون الكنائس ويسقطون الطائرات العسكرية ويبيعون المخدرات أولى برصاصهم من صبية صغار ييسرون فى مظاهرات يائسة ويرفعون شعارات رابعة.. قل لهم أن  الأمن الحقيقى لن يتحقق إلا بالعدالة وأن من قتل يقتل ولو بعد حين .. قل لهم اتقوا الله فقد عاودتم فتح المعتقلات وإيذاء البشر والاعتداء بغير وجه حق فليفتدوا أنفسهم من نار الانتقام التى لن تفرق بين ضابط شريف يؤدى واجبه وبين آخر اعتراه المرض النفسى فاستبد وطغى فى البلاد.


كلمة أخيرة : إلى كل أسر الشهداء مدنيين وعسكريين ما قلته كان مجازا لتجسيد الواقع وأدرك حجم الألم الذى تعيشونه ولكن أرجو ألا يكون الانتقام من الطرف الآخر هدفا لكم .. عيشوا فى أمان وليكن الله فى عونكم.