المتابعون

الخميس، 31 يناير 2013

عودة المماليك

عودة المماليك

بقلم / ميادة مدحت


جاء قرار المحكمة فى مذبحة بورسعيد كاشفًا لتسييس القضاء الذى اتخذ شكلا منهجيا لعقود طويلة . والقرار لا شك ظالم ليس لأنه قرر إعدام واحد وعشرين متهمًا ولكن لأنه طبق القانون على المهمشين ولم يمس القيادات التى دبرت هذه المذبحة البشعة. وكشفت أحداث الأمس خيبة الإخوان وجناحهم السياسى " الحرية والعدالة " ، ولكن أكثر من برزت سوءاتهم بالأمس كانوا فلول التيار الناصرى فقد بدت عوراتهم عندما دعا عزازى على عزازى ونور الهدى زكى وغيرهما لعودة الجيش مرة أخرى إلى الحكم بحجة إنقاذ مصر !

هل هذا مبلغ علمكم وقصارى جهدكم؟ بعد كل ما بذلناه من أرواح لتحرير مصر من حكم العسكر نعيدها إليهم مرة أخرى ؟ أحب أن أبشركم أن العسكر لو جاؤوا الآن سيأتون بشراسة وسيخطئون نفس الأخطاء التى ارتكبوها من قبل فيعود مرة أخرى سيناريو القهر والقمع ويستعيد التيار الأصولى شعبيته لندخل فى دائرة مفرغة من الصراع بين الفاشية الدينية من طرف والفاشية العسكرية من طرف آخر.

نعم . لقد بغى الإخوان وطغوا .. لم يطهروا الداخلية وتحالفوا مع مجلس العسكر وكرموا رموزه الذين لم يستحقوا سوى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى على المذابح التى اقترفوها فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد. نعم لابد أن نهتف بقوة فى وجه المرشد والشاطر ومن لف لفهما ليعلم الجميع أن مصر أكبر من أى جماعة مهما بلغت قوتها وأن قناة السويس التى جرت فيها دماء المصريين قبل المياه ليست للبيع ولا الإيجار . لابد أن نضغط بقوة لتعديل الدستور والإطاحة بالمواد الخلافية فى متنه ، لابد من تطهير الداخلية وإجراء محاكمات سياسية لرموز نظام مبارك ولرؤوس المجلس العسكرى ، ولكن كل هذه المطالب لن تأتى بالفوضى ، فالفوضى لا تصنع الأوطان بل تهدمها وتسليم الوطن لمن فشلوا قبل ذلك فى إدارة شئونه هو نوع من العبث والغباء إن لم تكن خيانة.

الحل أن يبقى مرسى وترحل دولة الإخوان ، الحل أن تتحد القوى المدنية وتنظم صفوفها للفوز بأغلبية البرلمان تحت الظروف الحالية مهما بلغت من سوء  بدلا من المشهد المزرى لقادة جبهة الانقاذ الذين حبسوا أنفسهم فى الغرف المغلقة و لم يظهروا إلا فى المليونيات الكبرى فى ميادين العاصمة وعزلوا أنفسهم عن الحوارى والقرى والنجوع ثم يخرجون علينا فى مؤتمر صحفى بائس يلوحون بعدم المشاركة فى الانتخابات البرلمانية إلا بعد أن تتحقق لهم  قائمة من الشروط يعلمون جيدا أنها لا تجاب وإنما تنتزع انتزاعًا لأنها حقوق وليست منحة يعطيها لهم الحزب الحاكم.

الحل الحقيقى أن تراق الدماء -إن لزم الأمر – لا أن تراق فى حفلات للموت المجانى للمصريين فى ميادين مصر بسبب انتهازية بعض المنتمين للتيار المدنى ووحشية الشرطة وغباء وعند الإخوان . الحل الحقيقى أن يظل الجيش حاميا للحدود بعيدا عن لعبة السياسة . الحل ليس فى أحمد شفيق كما ينادى السذج ولن يكون فى توريط الجيش مرة أخرى فى شئون الحكم ولن يكون فى الإطاحة بمرسى لنأتى من خلفه بقيصر جديد ولكن الحل أن نناضل لتغيير النظام لا لإسقاط الأشخاص .

يا دعاة الدولة المدنية كونوا صادقين مع أنفسكم ومع الناس فالبداية الحقيقية للحرية ليست من ميادين العاصمة المرصوفة تحت أضواء العدسات والفضائيات ولكن البداية من أصغر قرية فى مصر نمحو أميتها بالكامل .. البداية من أضيق حارة نبنى فيها كشكًا للموسيقى .. البداية ليست الانتظار فى صفوف الموت ولكنها السير فى قوافل الحياة . إن مصر لن تأتى لأحد لا للجالسين فى مقر مكتب الإرشاد ولا المتربعين على سدة الحكم ولا حتى للمقتولين فى الميادين . من يريد مصر فليذهب إليها الآن . يا معشر العلمانيين الحالمين بديكتاتور عادل مؤمن بالعلمانية إن ديكتاتورية أتاتورك علمنت تركيا من الخارج وتركتها تتمزق جراء صراع داخلى بين الحنين لدولة الخلافة وبين الطموح فى اللحاق بركب الاتحاد الأوروبى ومن يقرأ لأورهان باموك وغيره من أدباء تركيا سيدرك ذلك التمزق. أما علمانية أوروبا فهى راسخة فى وجدان مواطنيها لأنها جاءت بعد حرب تنوير وكفاح ودماء سالت فى سبيل تحرير الأوطان من كافة أشكال الفاشية لا من أجل تسليم الوطن من فاشية لأخرى .  إن أتاتورك الذى تحلمون به لن يأتى إلا بأردوغان آخر ولكن ابحثوا عن جان جاك روسو ومونتسكيو وفولتير لعلهم يأتونا بثورة كاملة وفجر جديد لوطن حر لا تغيب عنه شمس الحداثة