بقلم/ ميادة مدحت
تابعت باهتمام المقابلة
المصوره التي أجراها عدد من الصحفيين بموقع "الحرية" مع المرشح الرئاسي
المحتمل أحمد الطنطاوي وتجاوزت مدتها ساعة ونصف. من المؤكد أن سجل أحمد الطنطاوي
مشرف حيث أدى مهمته كنائب برلماني يقظ، وكان له عدد من المواقف الشجاعة وإن كانت
شابت مسيرته بعض الهنَات ومن بينها موقفه من تغليظ عقوبة الختان وقد فسَر ذلك
الموقف في اللقاء المذكور وسأعلق لاحقًا على هذا الرد. وأحاول في مقالي هذا استنباط
ملامح البرنامج الذي يؤكد الطنطاوي أنه موجود وأن من وضعوه خبراء في مجالاتهم. واتناول
بالتحليل ما يتعلق بالمحاور التالية: ملامح البرنامج الاقتصادي، السياسة الداخلية،
سياسة الأمن القومي والعلاقات الخارجية، المشروع الثقافي والموقف من المرأة.
أحمد الطنطاوي- CNN Arabic
ملامح البرنامج
الاقتصادي
لا شك أن أكثر ما يؤرق المواطن المصري الآن هو الوضع الاقتصادي المتدهور الذي انعكس بالسلب على كافة فئات المجتمع فصار تدبير القوت اليومي همَا مؤرقًا للطبقات الكادحة بينما يعاني أفراد الطبقة المتوسطة في سبيل الوفاء بالتزماتهم المادية في ظل سقوط بعضهم إلى خط الفقر. ويرتكز الخطاب السياسي لطنطاوي على تأكيد إدراكه لمعاناة المصريين من الظروف الاقتصادية المتدهورة وامتلاكه لرؤية محددة لحل الأزمة الاقتصادية بشكل علمي ومدروس. وكنت أنتظر أن يتطرق الطنطاوي لتلك الرؤية بشكل تفصيلي ولكن ما حدث هو أنه - كالعادة- ندد بالسياسات النقدية والاقتصادية الخاطئة التي اتبعها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتي اعتمدت بشكل كبير – وفقًا لما ورد في المقابلة - على الاستدانة من الخارج والجباية من الداخل.
وأصابتني خيبة الأمل عندما تحدث الطنطاوي عن المخرج المحتمل من المأزق الاقتصادي فأشارإلى تصوره بأن الجهات والدول الممولة ليست ممتنعة عن مساعدة مصر، ولكن تلك الجهات ترفض أن تساعد النظام الحالي لفشله في إدارة أموال القروض. والخطورة في هذا التصور- من وجهة نظري- أنه يفترض أن مجرد تغيَر شخص الرئيس سيكون دافعًا لتلك الجهات والدول لمد يد المساعدات من جديد لمصر. هل سأل الطنطاوي نفسه ما موقف بعض تلك الدول من ثورة يناير- وهو من المحسوبين عليها- ومن عملية التحول الديمقراطي المحتمل في مصر حال توليه السلطة؟ وخلاف ذلك ما هى المسوغات التي سيقدمها أحمد الطنطاوي ليقنع هؤلاء بتمويل خطة الإنقاذ الاقتصادي؟ في إجابته غير المباشرة عن سؤالي الأخير يقول طنطاوي في المقابلة إنه سيدعو إلى مؤتمر اقتصادي لن يطالب فيه الجهات الممولة والداعمة بقروض جديدة وإنما سيدعوهم إلى شراكة لم يذكر مقوماتها.
إن الخطر الحقيقى في حديث المرشح المحتمل عن ملامح أزمتنا الاقتصادية والحلول الممكنة لها يكمن في أنه لم يطرح آليات جديدة سوى تلك التي استخدمها الرئيس الحالي والتي تعتمد على القروض والمؤتمرات الاقتصادية التي ثبت أنها منصات دعائية تنفق فيها الدولة أكثر مما تجني. ولم يذكر الطنطاوي كيف سيتمكن من إقناع بعض الجهات بشطب جزء من ديون مصر وما هو المقابل الذي قد يقدمه لقاء ذلك؟ ولم يذكر الطنطاوي الإجراءات العاجلة التي قد يقدمها حال وصوله إلى السلطة في سبيل تخفيف معاناة المصريين والتي صارت تشكل خطرًا مجتمعيًا وسياسيًا تتعدى أبعاده الحياة اليومية للمواطنين إلى سلامة الدولة نفسها. وما موقف المرشح المحتمل وفريق الخبراء - الذين لم نتشرف حتى الآن بمعرفة أسمائهم - من الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار وضمان جودة السلع وحقوق المستهلك؟ وقد أدى غياب تلك المفاهيم عن إدارة الرئيس السيسي إلى انفلات الأسعار وانهيار جودة السلع وعجز كثير من أبناء الطبقة المتوسطة وما دونها عن الوفاء بالتزاماتهم تجاه أطفالهم. وهل ناقش الطنطاوي مع أعضاء حملته خطة لوضع سياسة مالية رشيدة؟ وما هى أبعاد تلك السياسة؟ هل ستوقف انهيار العملة المحلية أمام الدولار أم ستفشل في ذلك؟
مرتكزات السياسة
الداخلية
يمتلك أحمد الطنطاوي ميزة نسبية تتمثل في وعيه بأبعاد دور وحدود منصب رئيس الجمهورية فهو موظف عام يعتلي هرم السلطة التنفيذية، ويمارس سلطاته في حدود الدستور والقانون. وخيرًا فعل الطنطاوي حينما أكد نيته للدفع نحو قانون محترم لحرية تداول المعلومات. كما أكد على أهمية التعامل مع المواطنين وفقًا لمقتضيات القانون بغض النظر عن آرائهم السياسية. وقد ذكر أنه ليس جهة اختصاص في موضوع حل الأحزاب المخالفة. وعلى الرغم من أنه انتقد بشدة ممارسات حزب مستقبل وطن التي تسير بالمخالفة للدستور وقانون الأحزاب بل وأكد أن رئيس الحزب الحالي قد تولى منصبه بالمخالفة للائحة الحزب الداخلية، إلا أنه بدا حريصًا على عدم إغضاب الإخوان المسلمين وهم مازالوا يشكلون كتلة تصويتيه – شئنا أم أبينا- وهذا في حد ذاته تناقض لأن أحدًا لم يخلط الأوراق بين دور الجمعية الأهلية والحزب السياسي مثلما فعل الإخوان المسلمون. وتظهر تلك المسألة تحديدًا براجماتية الطنطاوي التي يمكن تفهمها في إطار المنافسة الانتخابية ولكنها تزعزع مبدأ لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وتفتح أبواب الأمل أمام الجماعة في العودة بقوة إلى المشهد السياسي. ولابد أن أنبه إلى خطورة فتح ذلك الباب أمامهم دون مراجعات حقيقية وتراجع عن مواقف مكيافيللية كانت سببًا في شق الصف الوطني، واعتذار علني عن جرائمهم في حق المصريين وفي حق ثورة يناير. أما أن تتسع عباءة الطنطاوي لتضمهم بحجة أن الشارع المصري ليس في حالة صراع أيديولوجي- وهو محق بالمناسبة ولو كره البعض- فهو تجاهل لمخاطر شديدة في حال عاد بعض المكلومين بنزعة انتقامية مما قد يذكي الصراعات الأيديولوجية ليدفع المصريون ضريبة الدم المسفوك سالفًا بسفك دماء جديدة. ولذا أقترح على الطنطاوى إعداد مشروع مكتمل الأركان لعدالة انتقالية ناجزة ومصالحة وطنية قائمة على احتواء الجميع ولكن دون المساس بمدنية الدولة مع وعي تام بأن القلوب مازال فيها ما فيها وأن الرماد تحته نار تستعر فالمذابح الجماعية لها ثمن بغيض تدفعه الشعوب غاليًا فكيف ستجنبنا إدارة الطنطاوي- حال نجاحه- ذلك الثمن الباهظ؟
ولم أقتنع برؤية الطنطاوي فيما يتعلق بالحكم المحلي حيث أعلن في اللقاء أنه سيبقي على اختيار المحافظين بالتعيين بدلاً من الانتخاب. وقد رأينا كيف أن مبدأ التعيين سواء في المحليات أو عمداء الكليات ورؤساء الجامعات لا يضمن اختيار الأفضل بل ويكرس لتفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة والكفاءة. كما أن وجود محافظ معين على رأس مجلس محلي منتخب قد يذكي الشقاق في المحليات بما قد يعوق عملها بكفاءة. وإذا كان الطنطاوي يرى أن المجلس المنتخب سيكون رقيبًا على المحافظ المعيَن فلماذا لا ينتخب المحافظ أيضَا ويكون أهل كل محافظة رقباء على محلياتها؟ أليست تلك خطوة أكثر نجاعة لتفعيل اللامركزية وصناعة وتصعيد كوادر سياسية قادرة على الإدارة والخدمة العامة وخاضعة للمساءلة والمحاسبية؟
مقومات سياسة
الأمن القومي والعلاقات الخارجية
لم يعلن الطنطاوي
أبعاد سياسته الخارجية ولكن يمكن استنباط بعض ملامح سياسته الخارجية ونظرته
لأولويات الأمن القومي المصري من خلال مقابلته مع موقع الحرية. أكد الطنطاوي أن
السودان هى الدولة الأهم لمصر كما أن قضية نهر النيل هى أهم القضايا التي يجب أن
تشغل السلطة المصرية. ويعزز هذا الإعلان من موقف الطنطاوي في نظري لأن انشغاله
بأمن مصر المائي، وعلاقتنا بجنوب الوادي يدل على أن بوصلته في الاتجاه الصحيح
وطنيًا وسياسيًا كما تؤكد على وعيه بالتاريخ المصري وبأن النهر الخالد هو بالفعل
شريان الحياة أو كما قال هيرودوت فإن مصر هبة النيل. ويعد هذا مؤشرًا على أن
سياسته الخارجية سترتكز على مصلحة مصر في المقام الأول مع العمل على دفع خطر العطش
عن مصر. كما أن إيمان الطنطاوي بالممارسة الديمقراطية وبحرية المواطنين ومساواتهم
أمام القانون يجسد رؤية ناضجة لمفهوم الأمن الإنساني Human
security حيث تساوي حرية المواطن شعوره بالأمن ضد التهديد
والإكراه على اختيار ما لا يرضاه في حياته. ويظهر بوضوح امتلاكه لرؤية عصرية
لمفهوم الأمن القومي الذي يتعدى اعتبار الدولة بمفردها محورًا للأمن القومي وهدفًا
للتهديد بما يوجب تسليح الجيش لحمايتها، إلى مراعاة الحقوق الأساسية للمواطن،
وتأمينه ضد الصراع على الموارد نظرًا لمحدوديتها. ولكن مع اتضاح رؤية الطنطاوي لما
يجب أن تكون عليه سياسة مصر الخارجية، غاب عن خطابه تصور متماسك لآليات تنفيذ تلك
السياسة ومواجهة الأخطار التقليدية وغير التقليدية التي تحدق بمصر وشعبها.
المشروع الثقافي
والموقف من المرأة والأقليات