المتابعون

الأحد، 21 أغسطس 2016

متى يقدم الوهم استقالته

متى يقدم الوهم استقالته؟
بقلم/ميادة مدحت
فى البدء كانت الكلمة. هكذا أخبرنا العهد الجديد ولكنه لم يحدد كلمة من؟ يقولون انها كلمة الله الذى نعبده جميعا ولكنهم يختلفون حول طبيعته ويصنعون منه آلاف الآلهة ويصل خلافهم حد الاقتتال من يهوه الحاقد الباطش مرورا بيسوع الذى يضحى نفسه على الصليب ليكفر عن خطايانا جميعا ثم يتحول على يد اباء الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية إلى حجة القتل والنهب والحقد المقدس باسم الرب. وعندما حاول المسلمون تفسير الله جاءوا بالخوارج والرافضة والقرامطة والدواعش فتاهت معانى الرحمة تحت سنابك خيول الفاتحين!
وبعد أن كان الله صوت العقل فى مجتمعات الوثنية ، لم يعد للعقل صوت بين أتباع الله. صارت الحاكمية أكثر كلمة يرددها المسلمون دون أن يفهموا منها سوى نصها دون مقصدها ولم يعد هناك من يعلمنا برأي الله وحكمه بعد أن انقطع حبل النبوة بين السماء والأرض.  وصار لزاما علي المسلمين أن يجدوا صيغا للتعايش مع قيم الحداثة وحقوق الإنسان ولكن أنى لهم ذلك و حراس المعبد أهون عليهم أن يهدروا دم فرج فودة على أن يكفرون داعش!
وما بين حراس المعبد ورهبان العقل مازال الله فكرة تلهو فى عقولنا فى المسافة الواقعة بين حاكمية سيد قطب و علمانية سيد القمنى، وها هى الحقيقة تقاتل فى سبيل النور. ترى هل يقدم الوهم استقالته قريبا؟

الأحد، 20 مارس 2016

أن تبنى فوق الخراب



بقلم/ ميادة مدحت


 


قبل ثورة يناير بسنوات حلق شبح الخراب فوق مصر وانطلقت بعض الأصوات تنبه للسىء الذي كنا نعيشه وللأسوأ الذي كان قادمًا لا محالة. وكتبت مقال فى 2007 بعنوان الدود يأكل منسأته ونبهت وقتها الأجهزة التي امتهنت قهر المصريين لصالح مبارك – أو هكذا كنت أظن- قلت لهم أن النظام مات وأن العصا التي يستند عليها بدأت تتآكل وأنها ساقطة ومسقطةً إياه لا محالة.  


وفى 2009 كتبت رواية "بطرس" وتنبأت فيها بسقوط النظام ثم صراع المتشددين مع الجيش الذي سيؤدى فى النهاية إلى وقوع سيناء في براثن الاحتلال. وأخرج يوسف شاهين فيلم "هى فوضى" الذي تنبأ بثورة شعبية يشعلها فساد جهاز الشرطة وممارسته للقمع.  ثم أخرج خالد يوسف فيلم دكان شحاته ليتنبأ فيه بثورة جياع. والحق يقال أن ما كان يحدث من فساد وبطالة وقمع لم يكن ليؤدى إلا لثورة جياع وخراب شامل.  


قبل الثورة كان للمعارضة رجالها وكنا نصدقهم ونحترمهم، كان النظام فاسدًا وكانوا شرفاء .. أو هكذا اعتقدنا !


كانت ثورة يناير فرصتنا الأكبر والأوحد للخروج من متاهة الانهيار الشامل  ولكنها ضاعت. ضيعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تآمر على الثورة وضيعها الإخوان الذين تآمروا على مصر، وضيعها الثوار الذين تآمر بعضهم على بعض.


أما ما حدث فى 30 يونيه وفكان شبه فرصة للخلاص ، نصف ثورة ونصف انقلاب ! جنين كان يمكن أن يصبح ثورة لولا صور السيسى التى فاض بها الميدان ولولا ما تبع ذلك من دعوات بلهاء للتفويض فنزل المعاتيه دون أن يعرف أحدهم فيم يفوض من تم تفويضه ! وعرفت كما عرف غيري أن التفويض دعوة لغطاء شعبي لمذبحة كبرى سيتم ارتكابها.  


ولد جنين يونيو مشوهًا، خنثى لا ولد ولا بنت ، لا ثورة ولا انقلاب .. وجاء السيسى وبدأ البناء (فوق الخراب) فجاء نظامه مضطربا يعادي الإخوان.. لكنه لا يقدم تنويرا ولا يحزنون!


كان يتوجب على السيسى أن ينظف الوطن من الإخوان ولكنه لوث وجه مصر بدمائهم التي سالت في رابعة والنهضة. وكان يجب عليه أن يطيح بما تبقى من فلول مبارك وأرامله ولكنه جاء محاصرا بكل رجال مبارك من وجوه سيئة السمعة وحتى عندما حاول التخلص من بعضهم عاقبهم على الأخطاء الخطأ ! ولم يكن لنا من أمل سوى معارضة تبتغى وجه الله والوطن ولكن معارضتنا كما هو مذكور أعلاه أصنام وتحطمت!   


 إن أزمة السيسى أنه لم يصنع بديلا حقيقيًا لكل الغث الذي ملأ حياتنا السياسية والفكرية. بل اعتمد على خطاب الهجوم ضد الإخوان دون أن يصنع نخبة مثقفة ومستنيرة لتواجه فكرهم الذي احتل أدمغة الناس. ستبقى وصمة عار في جبين نظام يدعى أنه ضد التشدد أن يسجن فى عهده إسلام بحيرى وأحمد ناجى وها هى فاطمة ناعوت في طريقها إلى السجن. وسيبقى التناقض لصيقًا برجل قال لنا أن يناير كانت ضرورة ثم ألقى بشبابها في المعتقلات.


إن أسوأ الأشياء قاطبة أن تفقد بوصلتك لأنك في صحراء التغيرات العالمية الكبرى ستموت لا محالة. حتى عندما اخترت الاستبداد السياسي والانفتاح الاقتصادي وهى معادلة لم يخترها نظام إلا وجلبت عليه وعلى شعبه المصائب ولنا فيما حدث فى نيكاراجوا عبرة. لقد كان عبد الناصر صادقًا معنا ومع نفسه عندما اختار الاشتراكية مذهبًا اقتصاديا والدولة الشمولية عقيدة سياسية فجاء اقترابه من الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي منطقيًا ومفهومُا . ثم جاء السادات فكان واضحًا وصريحًا عندما انتهج سياسة الانفتاح الاقتصادي واتجه بكل قوة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.   


أما أن تنصاع لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فترفع الأسعار وتخفف الدعم وتفتح البلد أمام الاستثمارات الأجنبية تاركًا العمالة المصرية فى مواجهة شروط التنافسية العالمية التي لا يكفلها نظام التعليم المصري فهى خطوة غير محسوبة سندفع ثمنها الاجتماعي أغلى مما نحتمل. والأكثر غرابة من ذلك أن تتجه سياسيًا بكل قوة تجاه الدول الشمولية فى زمن صارت فيه الديمقراطية ضرورة وحلا طبيعيا لكل من يريدون العيش بكرامة في عالم متقدم وحر.


مشكلتك يا سيدي الرئيس أنك لم تنظف قبل البناء فبنيت على أطلال ما مضى، وانشغلت بمشروعات قومية كبرى – كما يقول إعلامك- دون أن تنتبه للجياع الذين لن يصبر جوعهم طويلا حتى تأتى مشروعاتك بثمارها – إن أتت بثمار أصلاً- ومشكلتك أنك اخترت الإقصاء طريقًا ومنهجًا فأقصيت الإخوان والليبراليين واليساريين ، ثم قلت أن أملك في الشباب ولكنك أقصيت من تجاوز الثلاثين  من برنامجك الرئاسي لتأهيل القيادات الشابة، وبالتالي صار لديك جيل جاهز للقيادة ومحروم منها وهو لا محالة منقلب ضدك وحانق عليك. وعندما دشنت إستراتيجية مصر 2030 أقصيت كثيرًا ممن عملوا عليها وتعبوا فيها ودعوت إلى الحفل أناس ليس لهم بها علاقة !


مشكلتك يا سيدى أنك اخترت مستشارًا رئاسيًا للأخلاق فأين هي الأخلاق وماذا فعل مستشارك فى سبيل الارتقاء بها؟ ومأساتك أنك تبنى حضارة فوق أفواه جائعة ستخرج يومًا لتأكل كل ما زرعته يداك قبل موعد الحصاد. ومأساتك أنك استلمت وطنًا نهبوه لعقود طويلة قبل أن تأتى فلم توقف النهب ولم تحارب الفساد لاعتقادك أن بضع خطب منمقة – وهى ليست كذلك ولابد أن تستبدل من يكتبونها لك – ستحل المسائل وتجعل الفساد يختفي تدريجيًا. إن الفساد لا يختفي تلقائيا دون أن تشن حربًا شرسة ضده.


مشكلتك أنك لم تنظف مصر و اخترت أن تبنى فوق الخراب وما بنى على باطل فهو باطل. ومشكلتك أن معارضيك ليسوا شرفاء  ولا مؤيدوك وستنهار يومًا أنقاض ما سلف تدميره  فينهار كل ما بنيت.


ومشكلتنا أنه لم يعد فى بر مصر من يستحق أن نصدقه ولم تعد مصر وطنًا يسكن فينا أو حتى يصلح أن نسكن فيه.