المتابعون

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

لو كانت فرنسا رجلا لقتلناه

شاركلو كانت فرنسا رجلا لقتلناه 
بقلم/ ميادة مدحت 
mmedhat24@hotmail.com 

- سنشنق آخر ملك بأمعاء آخر رجال الدين
انتشرت تلك الجملة التي قالها أحد المفكرين الفرنسيين - الذي كان للمفارقة رجل دين- مع اندلاع الثورة الفرنسية لتعبر عن موقف الثورة من رجال الدين الذين لاقى الشعب الفرنسي بسببهم ويلات الذل وآلام الجوع. لقد احتكر رجال الكنيسة الحقيقة و باعوا الغفران في صكوك لمن يملك الثمن فصار ملكوت الله للأغنياء فقط وتآمروا مع الملوك ضد الشعب في مقابل إقطاعيات كبرى وصلاحيات سياسية. 
و مع قيام الجمهورية غابت شمس رجال الدين عن فرنسا إلى الأبد واتخذت الدولة كافة الإجراءات اللازمة لمنع الأصولية من الاستيلاء على المشهد السياسي. و قد صدر القانون رقم ٢٢٨ في ١٥ مارس ٢٠٠٤ بعد موافقة الهيئة التشريعية الوطنية وتصديق الرئيس الفرنسي وينص القانون على منع ارتداء الرموز أو الملابس التي تظهر الانتماء الديني في المدارس العامة. 

ومن منطوق القانون نفهم أنه ممنوع على اليهود ارتداء القلنصوة اليهودية، ولا يجوز للسيخ ارتداء عمامتهم ولا للمسيحيين ارتداء الصلبان الكبيرة، ومن نافلة القول أن الحجاب والنقاب تسري عليهما نفس الأحكام. فهل ثار اليهود وهل هاج وماج المسيحيون نصرة لدينهم؟ لا. ولكن المسلمون اعتبروا القانون حربا وجودية بينهم وبين الدولة العلمانية في فرنسا فأدان شيخ الأزهر القانون بشدة ولم تكذب الجماعات المتطرفة خبرا فتم احتجاز صحفيين فرنسيين من قبل جماعة الجيش الإسلامى في العراق في محاولة للضغط على فرنسا لتلغي القانون. 
وقد بدأت الأزمة الحالية عندما قام " صمويل باتي" مدرس لمادة التاريخ بطرح الرسوم المسيئة للرسول كموضوع لمناقشة الفكر الإسلامى مع طلابه ويبدو أنه لم يكن محايدا في ذلك النقاش فما كان من أحد طلابه المسلمين إلا أن قتله. 
هكذا وبكل بساطة تحول الطالب إلى إرهابي لكن هذا التحول لم يحدث في لحظة فلابد إنه كان نتاج سنوات من التربية على الحقد المقدس وكراهية الآخر. و مع الفقر النسبي والعزلة الاجتماعية للمهاجرين المسلمين في الدول الأوروبية ومن بينها فرنسا ، يمكننا التكهن بأن ثمة غضب مكتوم في نفس ذلك الشاب ولكنه لم يكن ليتحول إلى إجرام مالم يعبث آخرون بعقله فيتوهم أن القتل قد يرضي الله ورسوله. 
وعندما ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمة قوية أكد فيها على سيادة الدولة وتمسكها بعلمانيتها، وأعاد عرض الكاريكاتير المسيء، ثار المسلمون من أجل نبيهم.  وفي سبيل إثبات سماحة الإسلام ملأ المسلمون الأرض ضجيجا وصدرت فتاوى إهراق الدم وتصدر أردوغان حرب البذاءات غارقا في أوهام وضلالات الخلافة التي لن ينالها ولو بشق الأنفس.
وتثير تلك المواجهة في النفس عدة تساؤلات: 
- هل كانت واقعة قتل المدرس الفرنسي واقعة فردية؟ علما بأن القاتل قد تلقى مساعدة من خمسة أشخاص آخرين من بينهم ولي أمر طالب زميل وكلهم مسلمون. 
- هل ثار المسلمون ضد قتل المدرس ليؤكدوا للعالم أن المسلمين متحضرون ولأن الواقعة مشينة وتعطى صورة سلبية عن المسلمين؟ 
- هل أصبح بعض المسلمين إرهابيون محتملون قد يتحول أى منهم إلى قاتل بحجة الدفاع عن النبي؟
- هل قتل المدرس الفرنسي ثأرا للنبي أم تعبيرا عن غضب القتلة من إقصائهم اجتماعيا؟
ويبقى سؤال نطرحه على أنفسنا كمسلمين وهو هل ستنجح المقاطعة كوسيلة مواجهة بديلة للعنف؟ 
الحقيقة أن سلاح المقاطعة لم يعد مؤثرا في عصرنا هذا ضد فرنسا أو غيرها وذلك لعدة اسباب: 
- معظم الشركات الكبرى الآن هى شركات متعددة الجنسيات تعود أصولها و أسهمها إلى عدة شركاء من دول مختلفة. 
- رأس المال جبان ويستحيل أن يدلي رجل أعمال أو يؤيد تصريحا يضر بتجارته حتى و إن صدر من رأس الدولة. وبالتالى فلو كانت هناك شركات فرنسية سوقها الأول العالم الإسلامى فإن تلك الشركات غير راضية عن الطريقة التي أدار بها ماكرون الأزمة. 
- في ظل العولمة الاقتصادية تلجأ الشركات الكبرى لما يعرف ب out sourcing حيث تقيم مصانعها في دول العالم الثالث للحصول على عمالة رخيصة ودفع ضرائب أقل والاستفادة من سياسات تلك الدول الهادفة إلى تشجيع الاستثمار، وبالتالى فإن مقاطعة المسلمين للبضائع الفرنسية- إن سلمنا بوجود بضائع فرنسية بالمعنى المتعارف عليه- لن يضر اقتصاد فرنسا بقدر ما سيضر عمال العالم الثالث ويقطع أرزاقهم- هذا إن نجحت المقاطعة أصلا.  
- يضحكنى أن أرى أناسا لا يملك بعضهم قوت يومه يهددون بمقاطعة الجبن الفرنسي الفاخر والعطور الباريسية الراقية.  
حقيقة الأمر إن ماكرون قد خالفه التوفيق في إعادة عرض الكاريكاتير المسيء لرسولنا الكريم فقد ساهم بذلك في إذكاء نار الغضب وتعظيم شعور المسلمين داخل فرنسا بالعزلة الاجتماعية، وصور فرنسا وكأنها في عداوة مع الإسلام والمسلمين ليس مع الإرهاب، لكن المسلمين لم يديروا معركتهم بذكاء. 
والسؤال الآن ما الذي يمكن للمسلمين فعله لنصرة الإسلام والدفاع عن النبي؟ الحق أقول لكم أن الله كاف عبده ونبيه وأن المعركة الحقيقية هى معركة المسلمين للدفاع عن أنفسهم وعن حقهم في الاعتقاد وممارسة شعائرهم وهو ما لن يحدث إلا إن فهموا الثقافة الغربية وخاضوا المعركة من منظور قانوني وحقوقي. إن منع الحجاب - الذي تعتبره كثير من المسلمات فرضا دينيا- و نشر الرسوم المسيئة على سبيل المثال يشكلان مخالفة صريحة لميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي الذي أكد على احترام التنوع الديني داخل المجتمعات الأوروبية. وتنص المادة ١٠ من الميثاق على حق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية سرا أو علانية. ولابد لنا أن نعيد النظر في تراثنا الفقهي فالشريعة مصونة لا مساس بها ولكن بعض الآراء الفقهية في حاجة إلى مراجعة وتنقيح ومفاضلة بينها لاختيار الأصلح لعصرنا فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله. 
إن ضرب امرأة على وجهها في فرنسا يذكرني بالصفعة التي تلقتها شاهنده مقلد من أحد شباب الإخوان، و إن كنا غاضبون لعرض رسم مسيء فإنهم غاضبون لأن أحدنا قتل أحدهم ولكن غضبنا أعلى صوتا وأكثر عنفا. 
واذا كنا غاضبون من تصوير الرسول بشكل سيء فلماذا لا نرسمه نحن؟ قد تكون فكرة غير مستساغة لدى عموم المسلمين ولكن الضرورات تبيح المحظورات وجلب المنافع مقدم على دفع الضرر ، فلماذا لا يجتمع صفوة رسامى المسلمين لرسم صور للنبي طبقا لما ورد في وصف الصحابه لخلقته الشريفه وخلقه العظيم؟ 
دعونا نقدم لهم الرسول كما نعرفه بدلا من أن نثور لأنهم رسموه كما يتخيلون. إن النصر لا يكون بالسيف أحيانا فدعونا نكن حكماء كالحيات وودعاء كالحمام.