نساء بلا نخوة ..رحلة فى سيكولوجية التعدد
بقلم / ميادة مدحت
منشور فى مجلة إبداع
صدمنى نقاش مع فتاة فى مقتبل العمر ارتدت النقاب مؤخرا وكان ملخص ما قالته فى هذا النقاش أنها إذا تزوجت ستسعى لتزويج زوجها من ثانية وثالثة عملاً بالسنة النبوية !! وكان الدليل الذى استندت إليه هذه الفتاة فيما قالته تصريح لأحد شيوخ التيار السلفى ورد فيه أن الأصل فى الزواج التعدد وأنه لا حل لمشكلة العنوسة والعلاقات غير الشرعية سوى تعدد الزوجات وقال الشيخ أن المرأة التى تأبى أن تشاركها أخرى فى زوجها تكون متمردة وغير خاضعة للمشيئة الإلهية !
إن الصدمة التى شعرت بها بعد انتهاء هذا النقاش كانت مركبة لعدة أسباب : أولاً : أن ذلك الشيخ – المزعوم – يبرر شبقه بأنه سنة الله ورسوله . ثانيًا : أن يكون هذا هو المستوى الفكرى لفتاة متعلمة حصلت على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية وتعيش فى القرن الحادى والعشرين . ثالثًا: أن تلك الفتاة ليست الوحيدة التى تفكر بنفس الأسلوب بل هناك مثلها كثيرات. هل يعقل أن تنتهى مسيرة تحرير المرأة التى بدأها قاسم أمين واستكملتها هدى شعراوى وصفية زغلول وملك حفنى ناصف ودرية شفيق وعشرات ممن انتزعن حريتهن من براثن المجتمع هل يعقل أن تنتهى تلك المسيرة بعودة المرأة – طواعيةً- إلى الحرملك واختفائها خلف النقاب وقبولها أن تكون واحدة من الحريم بعد أن أصبحت قاضية وطبيبة ووزيرة ؟
إن من يحلمون بالعودة إلى الماضى لا يعرفون أن جُلَ هذا الماضى لا يمت للإسلام بصلة بقدر ما كان محكومًا بغرائز الرجال وتقاليد بالية لمجتمعات كانت تعيش فى ظلام دامس والمفاجأة أن العودة إلى الماضى تصدمنا أحيانًا بتخلف الحاضر! ولتسمح لى عزيزى القارىء أن أبحر بك قليلاً فى ماضينا حيث أستعير بعض سطور من مذكرات أ.ب. كلوت بك التى جمعها فى كتاب بعنوان " لمحات عامة إلى مصر" الذى تم نشره فى باريس 1840 حيث يقول عن السن المعينة للزواج فى مصر آنذاك : "فإن منهم من يزوجون بناتهم فى التاسعة أو العاشرة من عمرهن - أى فى الوقت الذى لم يتوافر للمرأة فيه من النمو الأدبى والبدنى ما يجعلها أهلا للتزوج ... وكثيرا ما يرى المرء رجالا فى الثلاثين أو الأربعين من أعمارهم ، وقد تزوجوا بفتيات صغيرات يصح أن يكونوا لمثلهن آباءً أو أجدادا"
وعن التقاليد المتبعة فى حفلات الزفاف الشعبى وبالتحديد عن عملية فض البكارة يقول كلوت بك فى نفس الكتاب: " وتجرى هذه العملية عادةً على مشهد من الأمهات وبعض كبار السيدات ... أما المنديل الحريرى فيعرض على الأهل والأقارب مخضبا بالدم ... ثم يعرض هذا الدليل الدموى على عفاف العروس وطهارة ذيلها على المدعوين... و إذا اتفق أن عروسًا وقعت فى خطيئة قبل زفافها أو كان بها مرض أو نقص فى التكوين الجثمانى حال دون إتيانها بذلك الدليل فإن للعريس أن يطلقها من ساعته ، وفى مثل هذه الحالة غالبا ما تكون العروس عرضة لانتقام أهلها الذين لا يزعهم من الرحمة والتبصر وازع عن قتلها ذبحًا وإلقاء جثتها فى النيل"
و ذكر كلوت بك الحيل
الصناعية التى لجأت إليها العجائز لإثبات بكارة غير موجودة. إلى هذا الحد كان المجتمع فى الماضى جاهلا ومنافقا وهو ما يعود إليه البعض – حنينا-
يبدو جليا فى عدة ظواهر من بينها انتشار غشاء البكارة الصينى فى الأسواق المصرية
..أين الطهارة والبتولية فى ذلك وما معيارهما الحقيقى ؟ ولدهشتى فقد وجدت أن كلوت
بك قد فطن إلى مبادىء الشريعة أكثر مما فطن إليها شيوخ التيار السلفى فقد ورد فى
كتابه سالف الذكر : " حقا أن تعدد الزوجات فى الإسلام مباح ولكنه مقيد بحدود
صريحة ويستشهد بالآية الكريمة : " فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " وعن وضع
الزوجة المصرية فى مؤسسة الأسرة يقول كلوت بك " ولها من العناية بشئونه والمداراة
له مالا يصح أن يطلب من الخادم فضلاً عن الزوجة " هل هذه العلاقة المذلة تمت
بصلة من قريب أو بعيد لقيم المودة والرحمة التى نادى الإسلام بأن تكون أساس
العلاقة الزوجية.