المتابعون

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

وداعًا أكتوبر

14/10/2014

بقلم/ ميادة مدحت


 


6 أكتوبر 2000


نهار .. داخلى


المكان : بيتنا


تجتاحنى دموع حارة ممزوجة بالفخر والعزة وأنا أتابع أفلامًا وثائقية وأغان فى ذكرى حرب  أكتوبر وأتمنى لو عشت تلك اللحظة مع الأجيال التى عاشتها.


 


28 يناير 2011


ليل داخلى


أكاد أرقص فرحًا ودبابات الجيش تنتشر فى ميادين القاهرة وفى الطريق إلى الميادين الرئيسية فى المحافظات . كانت رؤية دبابات الجيش فى الشارع بشارة للمصريين بأن نظام مبارك قد تهاوى .. وهربت الشرطة بزيها الأسود الذى ارتبط فى وجدان الملايين بسنوات من الفساد والذل والقمع ليحل اللون الكاكى محله وينتابنا حنين أكتوبرى جارف وتتعالى الحناجر المدنية هاتفة للعسكر : - الجيش والشعب إيد واحدة .


 


10 أكتوبر 2011


ليل خارجى


أقف فى ليلة حالكة أمام المسشتفى القبطى فى القاهرة مع عشرات المواطنين.. الهتافات تعلو تنادى باستكمال الثورة وحق الشهداء. كنا فى انتظار جثث ضحايا ماسبيرو وكان احتشادنا وسيلة ضغط حتى لا يضيع حق من ذهبوا أمواتا كما ضاع وهم أحياء.


الصدمة كانت كاسحة والانكسار هو سيد الموقف ، كان هدفنا فى تلك الليلة أن تخرج تقارير المستشفى بالحقيقة وألا يتم تزييفها . بكيت قهرًا ليس فقط لأن تلك الجثث كانت منذ ليلة واحدة تتحرك وتأكل وتحلم وتطالب بحقها فى حياة أفضل على أرض الوطن ، ولكن ما كان يؤلمنى أكثر هو أن الرصاص الذى ضربهم والدبابات التى دهستهم لم تكن دبابات العدو الإسرائيلى.


كان تحطيم طائرات الجيش بأكملها وهى على الأرض فى 5 يوينو  67 19 وتراجع الدبابات أمام العدو قبل ان تطلق قذائفها ، فاجعة كبرى عاشها آباؤنا . ولكن الفاجعة الأكبر عشناها فى تلك الليلة السوداء التى دهست فيها دبابات الجيش المصرى أجساد المصريين فى قلب العاصمة. فى 5 يوينيو 1967 ، ضاعت سيناء ولكن ما ضاع فى 9 أكتوبر 2011 كان أكبر والخسارة كانت أفدح بكثير.


عن جيش مصر يدهس أقباط مصر أحدثكم، عن إعلام الدولة  يكذب ويؤلب المسلمين على أشقائهم المسيحيين أتحدث.. عن شعور بالأمان والفخر بهذا الزى ومن يرتدونه ذهب بلا عودة داخل نفوس المئات والآلاف أحدثكم.


عن مينا دانيال ومايكل مسعد وغيرهم أحدثكم ، عن نفوسنا التى تعاتبنا فيهم وعن خواطرنا التى تحاول تخيل سيناريوهات بديلة أقل وطأة على نفوسنا : لو أنهم حاسبوا الجناة فى تلك المذبحة .. أو لو أنهم لم يكرروها فى محمد محمود ( كان الدهس تلك المرة بالبيادة!)  ، لو أنهم طهروا بذلهم الكاكية مما علق بها من أشياء لا تليق بجيش مصر ولا بتاريخه .


لو أنهم لم يختبروا عذرية البنات فى معسكراتهم ، ولم يسبوا الثورة ويخونوا الثوار، لو لم تقم قياداتهم بالتستر على ضابط جيش يخدم بسيناء قام اغتصاب سائحة بريطانية ليفتضح الخبر بعدها فى الصحافة الأجنبية.


ولكنهم اختاروا طريقا آخر فأخفوا هويات المجرمين رغم أن شهود العيان يعرفون أكثرهم اسمًا وشكلا ، وتمادوا فى الغى حتى نهايته فصار فى مصر مواطنين أصبح أكتوبر يذكرهم بمشهد مينا دانيال جثة هامدة ومايكل مسعد ملقى فى المشرحة وخطيبته تمسك بيده فى محاولة يائسة لإعادته إلى الحياة أو الذهاب معه ، مازال هناك العشرات يعيد أكتوبر لديهم ذكرى أحباب فارقوهم فى التاسع من أكتوبر ، ولم تعد كلمة العبور تذكرهم بعبور خط بارليف فى سيناء بقدر ما أصبحت تعنى عبور دبابات الجيش فوق أجساد المصريين فى قلب العاصمة المصرية.


توارت ذكرى السادات والشاذلى وأحمد إسماعيل  فى نفوس الضحايا وذويهم لتحتل الصدارة صورا كريهة لطنطاوى وعنان وبدين. وتحولت ذكرى العملاق عبد المنعم رياض إلى أطلال  ميدان بقربه تم نحرهم على مذبح نظام يرفض ان يرحل فيعيد تكرار نفسه فى صور مختلفة ولو كان الثمن مذابح كبرى يراق في كل منها دم فئة من فئات هذا الشعب مرة يراق دم الألتراس ويلصقون التهمة فى شعب بورسعيد ومرة يريقون دم الأقباط ثم يقولون أن الضحايا هم من أطلقوا الرصاص على القتلة !


تلك المشاعر المؤسفة ليست وليدة مؤامرة مزعومة من الثوار للوقيعة بين الشعب المصرى وجيشه فالمؤامرة الحقيقية كانت من قيادات سابقة فى هذا الجيش تآمرت على الشعب وعلى الجيش وعملت ضد مصلحة الثورة والوطن فى مرحلة سابقة ، قبل أن يلتئم ذلك الجرح –جزئيًا- فى 30 يونيو ، فهل نامل بأن تندمل الجروح نهائيًا ويلتفت السيسى لضرورة الزج بهؤلاء خلف القضبان وتقديمهم للعدالة ؟


هل يمكن أن تقدر الدولة للأقباط دورهم فى ثورة يونيو ووقوفهم جوار الجيش ضد الإخوان ؟ فتعوضهم عما نزل بهم من نوازل لم يكن انفجار القديسين أولها ولا أحداث ماسبيرو آخرها ؟


إن تعويضهم ليس صعبًا .. بل إنه حق على الدولة بأن تحاكم من قتلوا الناس فى ماسبيرو ليس فقط بتهمة القتل ولكن بتهمة الخيانة العظمى والوقيعة بين شعب مصر وجيشها. سيادة الرئيس :  إن تتبع الفوهة التى أطلقت الرصاص حتى تصل إلى اليد التى ضغطت على الزناد لتقطعها لا يجب أن يلهيك عن تتبع اليد التى خططت ودبرت وأعطت الأوامر ..


ترى هل يفعلها السيسى قبل أن ينصرم الشهر ونقول للأبد : وداعًا أكتوبر ؟