المتابعون

السبت، 25 يوليو 2015

العلمانية فى ثوبها النازى


عندما أتابع اللوثة الفكرية التى اجتاحت الوسط العلمانى  المصرى  أشعر بالأسى وبالخوف على مستقبل العلمانية فى مصر. لست ممن يؤمنون بأن مواجهة الفاشية لا تستقيم إلا بالاستعانة بفاشية مضادة وأرى أن هذا منطق مغلوط يودى بمن يؤمن به إلى موارد التهلكة . ومنذ فترة ظهر نوع من السعار الذى أصاب قلة من العلمانيين  -وإن ارتفع صوتهم - إنه سعار يشبه ما أصاب تيارات التطرف فانكبت على شكليات ليست من جوهر الدين ولا تغنى من الحق شيئا فروجوا لها واستماتوا فى الدفاع عنها تاركين الأخلاق والقيم والروحانيات .


على رأس تلك الرموز الشكلية مسألة الحجاب الذى انتشر كالنار فى الهشيم منذ سبعينيات القرن الماضى لظروف نعلمها جميعا ومع الوقت تحول الحجاب إلى فرض اجتماعى قبل أن يكون دينى . ولأن كل المفروض مرفوض التزمت فتيات كثيرات بحجاب الرأس مع تعرية أجزاء أخرى من الجسد  وارتداء الملابس الفاضحة ، ثم مع الوقت صار طبيعيا أن تجد فتاة محجبة فى وضع مخل بالآداب على كورنيش النيل أو أخرى تدخن الشيشة وتشرب البيرة ولا ضير مادامت ترتدى تلك الخرقة التى تثبت أنها ملتزمة والتى تميزها عن المسيحيات!!


ليست المشكلة من وجهة نظرى فى الحجاب نفسه ولكن فيما تحول إليه من رمز للازدواجية  فى حياتنا الاجتماعية والدينية. من حق كل فتاة أن ترتدى كيفما تشاء ولكنه حق تأبى جميع الأطراف  أن تقر به للأنثى المصرية . وقد عانينا لعدة عقود من حفنة متخلفين ومكبوتين جنسيًا وبعضهم مرتزقة يتعاطون الرشاوى من بلاد النفط جعلوا من الحجاب بقرة مقدسة  وهاجموا كل من لا ترتديه بتهمة الفجور والانحلال والبعد عن دين الله . ولكنى أرى الآن حفنة أخرى لا تقل تخلفا عن الأولى تتمثل فى مجموعة من العلمانيين الذين يروجون الآن لمنع المحجبات من دخول المصالح الحكومية والمطاعم والنوادى ، وربما يأتى الغد القريب فنرى منهم من يدعو لمنع المحجبات من دخول المستشفيات لتلقى العلاج أو ربما حتى يصلون إلى مرحلة ينادون فيها بإحراق المحجبات أحياء!


هل قرأتم تاريخ النازية جيدًا ؟ أن تمنع مجموعة من البشر من ارتياد الأماكن العامة أو الاختلاط بباقى فئات المجتمع لمجرد أنهم لا يروقونك هى بحق جريمة لا يضاهيها فى الوضاعة إلا ما ارتكبه النازيون فى حق يهود أوروبا قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية . 


إن العلمانية – كما أفهمها – هى أسلوب تفكير ومنهج لإدراك الأشياء وليست أيديولوجيا تقصى من لا يؤمن بها ولكن ما أراه الآن من بعض العلمانيين لا يبشر بخير فهم يرحبون بالمذابح مادامت تقع فى حق من يخالفونهم الرأى ويروجون لمشاعر الكراهية والحقد وتحقير الآخر بشكل لم يفعله إلا الإخوان والسلفيون فهل نريد أن نصبح مثلهم؟


ثم دعونا نقف سويا على عدة حقائق مهمة فيما يتعلق بالمحجبات الذين ينادى البعض الآن بإقصائهم من الحياة الاجتماعية فى مصر : أولا : هناك نسبة منهن أجبرن على ارتداء الحجاب  ونحن نعلم جميعا واقع أسرنا المصرية المحافظة والريفية وواقع المناطق الشعبية وكيف تتعامل مع غير المحجبات ، إذن عزيزى العلمانى الفذ عندما تطالب بازدراء هذه الفئة فإنك تتسبب فى قتلها مرتين الأولى بفعل القهر الأسرى والثانية بيدك أنت لأنك قررت أن تعاقبها على شيء لم يكن لها فيه اختيار . ثانيًا : بالنسبة للمحجبة التى ارتدت  الحجاب عن قناعة هل يستسيغ عقلك العلمانى (المستنير) اضطهاد الناس ومعاقبتهم على خياراتهم فى الحياة ؟ أفهم أن تمنع المنقبة من دخول بعض الأماكن- بل وفى رأيى أن تمنع المنقبة حتى من ركوب المواصلات لأنها تفتئت على حقى الشخصى فى معرفة هوية من تركب إلى جوارى وهل هى أنثى أم ذكر متنكر أو ربما إرهابى هارب - ولكن ما طبيعة الضرر الذى تسببه من تكشف عن وجهها على الأمن القومى والاجتماعى ؟


ثم دعنى استوقفك قليلا لأسألك – إن كنت من أسرة مسلمة – هل تخلو عائلتك من أم أو أخت أو ابنة عم محجبة؟ هل جعلهن الحجاب إرهابيات  أم أنهن مثلما كن من قبل طيبات مرحات جميلات ؟ ثم كيف نروج طيلة الوقت لحرية الفكر والتعبير والاختيار ثم نصادر حق غيرنا فى تقرير مصيره وارتداء ما يريحه ما دام لا يضرنا فى شىء؟  ثم ماذا نتوقع نحن- العلمانيون- من فتاة محجبة تحرم من وظيفة تستحقها أو تمنع من دخول مكان تصبوا لقضاء بعض الوقت الممتع فيه مع رفيقاتها لمجرد أنها محجبة ؟ هل ستحب وقتها القيم العلمانية ؟ هل ستفهم حججكم الواهية إن كان لديكم حجج ؟ أم أنها ستجد نفسها لا تلقائيًا تقترب أكثر من التيارات الرجعية لتجد بينهم مأوى وتستشعر لديهم الألفة ؟


ثم أخبرنى عزيزى العلمانى – فى حال نجحت دعوتك – وأخفيت الحجاب (قسرًا) من النوادى والفنادق والشواطئ بل ومن الوجود ثم عدت إلى منزلك قرير العين ونظرت فى مرآتك هل يسمح لك ضميرك أن ترى انعكاس صورتك فى المرآة بغير أن ترى خلفها صليبًا معقوفًا ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق