المتابعون

الجمعة، 31 يناير 2025

ضياع المعنى بين زيدان والمسلماني

 

ميادة مدحت

 

 


 

في الوقت الذي انتفضت فيه مصر حكومةَ وشعبا ضد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي دعا فيه مصر والأردن إلى استضافة أهل غزة بدعوى إعمارها،

كان الدكتور يوسف زيدان مشغولا بالرد على تصريح آخر لترامب ربما يكون أكثر خطورة لسبب لا يعلمه إلا الله وزيدان! وفقا لما نشره الدكتور يوسف عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي Facebook أدلى ترامب بتصريح مفاده أنه سيسعى لإحلال السلام في الشرق الأوسط على قاعدة "الدين الإبراهيمي" واعترض زيدان على اتخاذ الإبراهيمية أساسًا للسلام "فقد شهد التاريخُ أفظع الحروب بين أصحاب هذه الديانات (الإبراهيمية) التي يُكذِّب الأقدمُ منها الأحدث ويتَّهمه بالضلال، ويدين الأحدثُ منها الأقدم ويتَّهمه بالانحراف.. وعلى ذلك، فإن "الإبراهيمية" ليست أساسًا مناسبًا لإحلال السلام."

 

 هذا  اعتراض في محله ولكن هل يعقل أن يكون هذا فقط هو ما استرعى انتباه زيدان وشحذ همته للرد؟ ليس التدخل السافر في سيادة الدولة المصرية ولا محاولة ابتلاع جزء من أرض غزة بتهجير أهلها؟ دفعني ذلك لتذكر مواقفه السابقة وأعنى هنا بكلمة "موقف" رأيًا واضحا معلنًا (سهل الفهم). هل تحدث قبل ذلك عن معاناة الناس من شظف العيش وانكشاف الستر؟ عن تجاوز السلطة التنفيذية وتغولها على باقي السلطات؟ عن قضايا أخرى ووقائع كبرى كنت ألتمس فيها رأيا من زيدان لكنه لم يصرح.. وهو الذي إذا قرر أن يشارك ألمح بما لا يكاد يفهمه متوسط الذكاء والتعليم في بلد مازال بها كثرة لا تعرف القراءة والكتابة. وجدتني أتذكر رأيه في الديمقراطية وقوله بأن الأغلبية لا يعول عليها وأن الحكم للحكماء. فاته في ذلك أن من يحكمون في كل زمان ومكان يعدون أنفسهم من أحكم الحكماء.

ربما يفهم ذلك المنطق أحمد المسلماني، أحد هؤلاء الحكماء الذين نعول عليهم في مستقبل أفضل لمصر وكيف لا؟ وهو من كان يرسم لنا الخرائط في برنامجه (الطبعة الأولى) ليشرح لنا ما استغلقت مفاهيمه وها هو قد تولى رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام بعد أن طفحت الشاشات في وجوهنا البائسة بأصحاب الجهل والجهالة حتى تشابه البقر علينا. جاء المسلماني فتفاءلت خيرا وقلت سيطهر شاشاتنا من الجهل، سنرى الحقائق في شاشات الحكومة، وسنفهم سبب معاناتنا الاقتصادية والاجتماعية. لكنى لست من الحكماء لأن الحكمة تقتضي أن نضبط المفاهيم أولا. المسميات مهمة وبالتالي فإن تغيير اسم قناة (النيل سينما) إلى (موليوود سينما)، ودمج قناة النيل كوميدي مع قناة النيل دراما في قناة واحدة باسم (موليوود دراما) سينهض لا محالة بالدراما المصرية. حجة المسلماني في ذلك أن مصر هى رائدة الإعلام والدراما في الوطن العربي –وتلك حقيقة-  ومن أجل ذلك يستوجب تعديل اسم الشهرة لصناعة الإبداع في مصر من (هوليوود الشرق) إلي (موليوود)!

 

كل هذا العمق! عقلي الصغير لا يحتمل

 حكمة هؤلاء الكبار ولا يفهمها. لكن الوطن لا

 يبنيه أمثالي ممن يشغلهم التفكير في تدبير

 القوت بمرتب يكاد لا يكفي نصف شهر،

 وممن تخيفهم جرائم النفس التي تصاعدت

 وتيرتها، وممن تسبب حظهم العاثرفي إلقاء

 أطفالهم داخل نظام تعليمي يحولهم إلى

 فئران تجارب للهواة قبل المحترفين، وممن

 لا يجدون ثمن العلاج إذا مرضوا. إننا

 تافهون يا سادتي الحكماء، صغار إلى درجة

 أننا لا نٌرى بالعين المجردة. لم نصمد آلاف

 السنين لعبقرية في أذهاننا ولا بسطة في

 أجسادنا .. كل ما في الأمر أننا احترفنا

 التكيف حتى صرنا كالصلصال يتمدد

 وينكمش وفقا لما يتراءى للحكام والحكماء.

 لكن حيلنا في التكيف والتشكل والتحايل

 تكاد أن تنضب .. خارت قوانا من طول

 التعب، أوشكنا على الانقراض ونحن في

 ذلك لملامون حقا فليس الجوع، ولا القهر،

 ولا الدين، ولا تواطؤ الحكماء هم من قتلونا

 لكن عجزنا عن فهم الحكمة المقطرة هو

 القاتل وياليت عجزنا كان رجلا .. إذن

 لقتلناه.